سورة النازعات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: دحاها بسطها، قال زيد بن عمرو بن نفيل:
دحاها فلما رآها استوت *** على الماء أرسى عليها الجبالا
وقال أمية بن أبي الصلت:
دحوت البلاد فسويتها *** وأنت على طيها قادر
قال أهل اللغة في هذه اللفظة لغتان دحوت أدحو، ودحيت أدحى، ومثله صفوت وصفيت ولحوت العود ولحيته وسأوت الرجل وسأيته وبأوت عليه وبأيت، وفي حديث علي عليه السلام: «اللهم داحي المدحيات» أي باسط الأرضين السبع وهو المدحوات أيضاً، وقيل: أصل الدحو الإزالة للشيء من مكان إلى مكان، ومنه يقال: إن الصبي يدحو بالكرة أي يقذفها على وجه الأرض، وأدحى النعامة موضعه الذي يكون فيه أي بسطته وأزلت ما فيه من حصى، حتى يتمهد له، وهذا يدل على أن معنى الدحو يرجع إلى الإزالة والتمهيد.
المسألة الثانية: ظاهر الآية يقتضي كون الأرض بعد السماء، وقوله: في حمالسجدة، {ثُمَّ استوى إِلَى السماء} [فصلت: 11] يقتضي كون السماء بعد الأرض، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة في تفسير قوله: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء} [البقرة: 29] ولا بأس بأن نعيد بعض تلك الوجوه:
أحدها: أن الله تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق السماء ثانياً ثم دحى الأرض أي بسطها ثالثاً، وذلك لأنها كانت أولاً كالكرة المجتمعة، ثم إن الله تعالى مدها وبسطها، فإن قيل الدلائل الاعتبارية دلت على أن الأرض الآن كرة أيضاً، وإشكال آخر وهو أن الجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوي، فيستحيل أن يكون هذا الجسم مخلوقاً ولا يكون ظاهره مدحواً مبسوطاً.
وثانيها: أن لا يكون معنى قوله: {دحاها}: مجرد البسط، بل يكون المراد أنه بسطها بسطاً مهيأ لنبات الأقوات وهذا هو الذي بينه بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا ومرعاها} [النازعات: 31] وذلك لأن هذا الاستعداد لا يحصل للأرض إلا بعد وجود السماء فإن الأرض كالأم والسماء كالأب، وما لم يحصلا لم تتولد أولاً المعادن والنباتات والحيوانات.
وثالثها: أن يكون قوله: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ} أي مع ذلك كقوله: {عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] أي مع ذلك، وقولك للرجل أنت كذا وكذا ثم أنت بعدها كذا لا تريد به الترتيب، وقال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} إلى قوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءَامَنُواْ} [البلد: 17] والمعنى وكان مع هذا من أهل الإيمان بالله، فهذا تقرير ما نقل عن ابن عباس ومجاهد والسدي وابن جريج أنهم قالوا في قوله: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} أي مع ذلك دحاها.
المسألة الثالثة: لما ثبت أن الله تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق السماء ثانياً، ثم دحى الأرض بعد ذلك ثالثاً، ذكروا في تقدير تلك الأزمنة وجوهاً.
روي عن عبد الله بن عمر خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، ومنه دحيت الأرض واعلم أن الرجوع في أمثال هذه الأشياء إلى كتب الحديث أولى.


{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)}
الصفة الثانية: قوله تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا ومرعاها} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ماؤها عيونها المتفجرة بالماء ومرعاها رعيها، وهو في الأصل موضع الرعي، ونصب الأرض والجبال بإضمار دحا وأرسى على شريطة التفسير، وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء، فإن قيل: هلا أدخل حرف العطف على أخرج قلنا لوجهين؟ الأول: أن يكون معنى دحاها بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لابد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المشارب والمآكل وإمكان القرار عليها بإخراج الماء والمرعى وإرساء الجبال وإثباتها أوتاداً لها حتى تستقر ويستقر عليها والثاني: أن يكون {أَخْرَجَ} حالاً، والتقدير والأرض بعد ذلك دحاها حال ما أخرج منها ماء ومرعاها.
المسألة الثانية: أراد بمرعاها ما يأكل الناس والأنعام، ونظيره قوله في النحل: {أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] وقال في سورة أخرى: {أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً} [عبس: 25-26] إلى قوله: {متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} [عبس: 32] فكذا في هذه الآية واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] وقرئ نرتع من الرعي، ثم قال ابن قتيبة قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْء حَيّ} [الأنبياء: 30] فانظر كيف دل بقوله: {مَاءهَا ومرعاها} على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام من العشب والشجر، والحب والثمر والعصف والحطب، واللباس والدواء حتى النار والملح، أما النار فلا شك أنها من العيدان قال تعالى: {أَفَرَءيْتُمُ النار التي تُورُونَ * أأنتم أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون} [الواقعة: 72 71] وأما الملح فلا شك أنه متولد من الماء، وأنت إذا تأملت علمت أن جميع ما يتنزه به الناس في الدنيا ويتلذذون به، فأصله الماء والنبات، ولهذا السبب تردد في وصف الجنة ذكرهما، فقال: {جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} [البقرة: 25] ثم الذي يدل على أنه تعالى أراد بالمرعى كل ما يأكله الناس والأنعام قوله في آخر هذه الآية: {متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} [النازعات: 33].


{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}
الصفة الثالثة: قوله تعالى: {والجبال أرساها} والكلام في شرح منافع الجبال قد تقدم.
ثم إنه تعالى لما بين كيفية خلقه الأرض وكمية منافعها قال: {متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} والمعنى أنا إنما خلقنا هذه الأشياء متعة ومنفعة لكم ولأنعامكم، واحتج به من قال: إن أفعال الله وأحكامه معللة بالأغراض والمصالح، والكلام فيه قد مر غير مرة، واعلم أنا بينا أنه تعالى إنما ذكر كيفية خلقة السماء والأرض ليستدل بها على كونه قادراً على الحشر والنشر، فلما قرر ذلك وبين إمكان الحشر عقلاً أخبر بعد ذلك عن وقوعه.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9